قصص أمهات

قصة كفاحي من أجل طفلي بعد تشخيصه بمرض نادر

قصة كفاحي من أجل طفلي بعد تشخيصه بمرض نادر
النشر : فبراير 27 , 2022
آخر تحديث : سبتمبر 18 , 2023

بقلم لما خليل، أم لثلاثة أطفال

في فجر الثالث من أيار من العام الثاني عشر بعد الألفين أبصرت عينا ريّان نور الدنيا وبريق الأمل في عينيّ.. أنا .. والدته.

ريان، ولدي الثالث، جاء إلى هذه الدنيا بملامح جميلة جداً وطبيعية تماماً تخفي وراءها تحدّياً كبيراً، جاء بخلل في الجينات ونقص في أحد الإنزيمات لم يُكتشف إلّا بعد حين، جعل حياته في صعوبةٍ متصاعدة، ومعارك لا تنتهي، أو أنها توشك أن تنتهي بالخسران، لولا الوعي والجهد الذي نبذله ومساعينا الكثيرة .. ففي كل مرة.. ريان ينجو في آخر لحظة!!

قصة طفل ومرضه النادر

يعاني ريان من خلل في الجينات يسبب نقصاً في أحد الإنزيمات التي تساعد في تحليل الطعام وتحليل المواد الأولية وإدخالها للخلية، مما يؤدي إلى تراكم بعض المواد على جدران الخلايا وفي مخازن الليسوسوم المتخمة حد الشبع، وهنا تبدأ المعاناة، وتتهاوى الأعضاء شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن.

تم تشخيص ريان بمرض فيكوسيدوسيز، وهو من الأمراض النادرة في عمليات الآيض والاستقلاب. يقع حوالي ثلاثون مرضاً تحت مظلة الأمراض النادرة، لكل منها نقص في إنزيم معين، وتختلف في شدتها من شخص لآخر. هذه الأمراض تضع الطفل والأهل في سباق مع الزمن ليتداركوا أي خلل يحدث لأعضاء الجسم قبل انهياره كلياً.

بدأت أعراض ريان بضعف في العضلات في عمر السنة، لم يستطع الجلوس بمفرده ولا الحبو ولا الوقوف على قدميه، خضع لعدة فحوصات، وجاء الجواب أنه يعاني من نقص فيتامين د وسوف يتحسن.

نعم، أخذ فيتامين د و تحسن قليلاً، لكن ليس بالدرجة المطلوبة. بدأ يحبو في عمر السنة و النصف، ومباشرةً لاحظنا أنه لا يسمعنا، ولا يلتفت إلينا حين نناديه باسمه.

قصة طفل ومرضه النادر

قال طبيب الأنف والأذن والحنجرة أن ريان يعاني من زيادة في السوائل خلف طبلة الأذن، فخضع لعملية قام الأطباء خلالها بفتح غشاء الطبلة فتحةً مؤقتة لكنها ثابتة في ذلك الحين، وهكذا استطعنا إنقاذ العصب السمعي بنسبة ٥٠٪؜، لأنه وفيما بعد تبين أن ريان يعاني من ضعف في العصب السمعي، واحتاج إلى تركيب سماعات أذن خارجية.

في ذلك الحين، ونحن ما بين علاج وعلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة، كان عمر ريان سنتين حين بدأت بعض ملامح جسمه بالتغيّر، لاحظت أن ظهره ليس صلباً وطلبت من الطبيب النظر إليه، لكنه أهمل الموضوع وقال بأن الفحوصات ليست كاملة! وهي ذاتها فحوصات الفيتامينات والمعادن التي تتكرر كل شهرين بطريقة عقيمة ومملة!!

فقررت أن آخذ ريان إلى عيادة أشعة خاصة، وبعد التصوير ظهر اعوجاج واضح في العمود الفقري. في تلك الليلة لم أنم.. سهرت الليل أبحث عن مرض يربط بين هذه الأعراض جميعاً ومعها كثرة التهاب الجهاز التنفسي كذلك. فوصلت إلى أمراض الآيض والاستقلاب، ومنها حاولت إيجاد الفحص الخاص بها في الاردن.. لكنني فشلت في الوصول.

الطفل وعائلته

استمرت الحياة إلى أن بلغ ريان سن الرابعة، وبواسطة أصدقاء لزوجي وصلت إلى طبيب متخصص في عمليات الآيض والاستقلاب، أخذ عينة دم من ريان وأرسلها إلى جامعة مانشستر في بريطانيا، وبعد ثلاثة شهور توصلنا إلى التشخيص الصحيح.

بدأت حالة ريان في التراجع، لكن خطواتنا لدعم تطوره واستقرار حالته كانت أسبق! استطاع المشي وهو في الرابعة من عمره، وتقوية العصب السمعي بالمداومة على سماع الموسيقى، ومضغ الطعام أيضاً بعد عمليات في حفظ الأسنان وتغطيتها بالتيجان ومنعها من التآكل، فهذا المرض يسبب جفافاً في الفم وتآكلاً في الأسنان.

تأثرت عيناه أيضاً وتم تصحيح نظره في عملية لعلاج الحول. وبعد محاولات عديدة مع المدارس، قررنا إبقاءه في البيت، لأنه قد يكون عرضة لإصابات بليغة جراء الوقوع أو التقاط عدوى معينة، فتوازنه ضعيف، وهو يعاني من تضخم في الكبد وسماكة في صمامات القلب، أصابته نتيجة نقص الإنزيم مع الزمن، ولم تكن ظاهرة عليه عند الولادة.

تراجع إدراك ريان يوماً بعد يوم، فقد قدرته على الكلام، وأصيب بنوبات توتر وفرط الحركة وزيادة النشاط، وأصبح عدوانياً في بعض الأوقات، لكن كل هذه الأعراض كانت تحت السيطرة في منزل هادئٍ ومُحب ومستقر، تلفُّه الطمأنينة والرضا والتسلح بالعلم.

نزور المستشفى كتيراً جداً، في كل سقوط على الأرض نحتاج عدة غرزٍ لاسكات النزيف، يتعرض ريان لنكسات عديدة من ارتفاع في الحرارة، بالإضافة إلى الاستفراغ بسبب زيادة إنزيمات الكبد، ويعاني من انتفاخات مائية في المفاصل.. مؤلمة إلى حد العجز.. لكنه يقاومها وينهض من جديد.

الطفل ريان

ريان لا يخاف المستشفيات، يمد يده للإبرة بكل بساطة وقوة وطمأنينة، لأن والده طبيب متمكن ومتميز في التخدير والعناية المركزة،  يسحب من ريان الدم ويثبت له المُغذي ويخدره للعمليات الكبرى و الصغرى، فينام ريان مطمئناً بين يدي والده ..

خلال كل هذه الأحداث وطوال هذه السنين كنت على تواصل مع الجمعية العالمية للأمراض النادرة، اجتمعنا مع أهالي الأطفال المصابين حول العالم في مدينة روما في إيطاليا.

تعرفنا  إلى آخر الأبحاث العلمية والجهود المبذولة، والتقينا بأفضل العلماء وكان التمويل هو العائق الوحيد في طريق التقدم العلمي والبحثي لهذه الأمراض. أغلب شركات الأدوية قالت إن هؤلاء الأطفال يموتون سريعاً، وأعدادهم نادرة في العالم، لذلك لن يكون هناك جدوى تجارية من تصنيع الأدوية والعمل عليها.

لكن الأهالي استمروا في عطائهم ودعمهم للأبحاث العلمية من مالهم الخاص عبر موقع ISMRD، وفي نهاية عام ٢٠٢١ تم اختياري أنا وزوجي لنكون الممثلين الرسميين لهذه المنظمة العالمية في الشرق الأوسط، ولنتواصل مع كل الأهالي الذين لم يتمكنوا من تشخيص أبنائهم بعد واكتفوا بإجابات مثل "تأخر عقلي" وأحيانا "توحد"، لأنه وللأسف هذه أسهل إجابات يمكن أن نسمعها في بلادنا للحالات الغامضة والنادرة.

ولهذا، أتمنى من كل أم شعرت بشكوك تجاه طفلها، أو شعرت بخوف غير مبرر من تأخره في الحركة والتفاعل، أن تتواصل مع الموقع عبر الإيميل، أو يمكنها التواصل معي مباشرةً. فبعض هذه الأمراض تظهر له صفات جسمانية واضحة ويتم تشخيصه بسرعة، لكن العديد منها لا تكون له أي أعراض ظاهرة على شكل الطفل وهو في عمر صغير كما حصل لريان، لكن يمكن تعميم بعض الصفات  كعرض الجبهة، وازرقاق في لون الأطراف عند التعب والحركة الزائدة، وارتخاء في الرقبة وقيام الطفل بتحريك الرأس إلى الخلف برد فعل عنيف عند التعبير عن عدم الرضا أو الغضب.

الطفل ريان في المستشفى

نظرة العيون أيضاً تكون من أسفل إلى أعلى، خصوصاً بعد مرحلة الجلوس، والأهم من ذلك أنه إذا اجتمعت أكثر من مشكلة صحية في نفس الوقت كإلتهاب الجهاز التنفسي وضعف السمع وارتخاء العضلات واعوجاج العمود الفقري، حتى وإن لم تظهر كلها معاً ولوحظت شيئاً فشيئاً كما في حالة ريان، هنا على الأهل التوجه الى عيادة الأمراض النادرة، أو عيادة الآيض والاستقلاب فوراً.

أتمنى أن نتمكن من دعم وتغطية تكاليف الفحوصات التشخيصية في البلاد العربية لهذا النوع من الأمراض، لتتمكن كل عائلة من تشخيص أطفالها في أقرب وقت، وترتيب العلاجات الوقائية أو ربما اقتنعت شركات الأدوية برسالتنا إذا ازدادت أعداد الأطفال المشخصين بالأمراض النادرة وازدادت الجهود للبحوث العلمية.


وفي اليوم العالمي للأمراض النادرة  ٢٨ شباط من كل عام، أتمنى أن يزداد الوعي بهذه الأمراض في بلادنا وأن يتم الحديث عنها ومحاولة تشخيصها رغم صعوبة و ندرة الفحوصات..

تتوفر فحوصات بعض الأمراض في الأردن في مستشفى الملك المؤسس في جامعة العلوم و التكنولوجيا وكذلك في المدينة الطبية  للخدمات الملكية.

تابعونا على موقع المنظمة www.ISMRD.org

ويمكنكم التبرع للأبحاث العلمية عبر الضغط على كلمة donate واختيار طريقة التبرع المناسبة.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية