قصص أمهات

كيف استطعت أن أكون أماً توازن بين طموحاتها وشؤون بيتها؟

كيف استطعت أن أكون أماً توازن بين طموحاتها وشؤون بيتها؟
النشر : أبريل 02 , 2022
آخر تحديث : سبتمبر 18 , 2023

بقلم: هناء بركات، أُم وأخصائية علاج وظيفي، و كوتش للأمهات الرياديات في مجال الإنتاجية والعناية بالنفس. صانعة محتوى في ماماتشينو.

لطالما حيرتني النفس الإنسانية، وأبهرني العقل البشري الذي تتجلى فيه قدرة الخالق سبحانه.. حتى رزقني الله بالعلاج الوظيفي!

حينما التحقت بالجامعة كان التخصص جديداً، ولم يكن يعرفه أحد ممن حولي، اخترته عندما وجدت بعض مواد علم النفس في خطته الدراسية، وشاء الله أن تكون معظم خبرتي العملية فيما بعد في تأهيل أمراض الأعصاب وإصابات الرأس والجلطات الدماغية.

لاحظت أن المرضى الذين يعانون من حادث مفاجئ أو مرض مزمن يتعرضون للإرهاق و التوتر ، ويكون تركيزهم على ما فقدوه، مما يؤدي لعدم استمتاعهم بما لديهم. ساعدتهم بفضل الله في التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد وتجاوز الصعوبات، ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم مجدداً بحدود قدراتهم الحالية، مع بعض الأدوات المساعدة والاستراتيجيات الجديدة.

ثلاثة أطفال ينظرون ينظرون ويصورون360moms

وعندما أصبحت أماً -عاملة ثم في المنزل- اكتشفت فيما بعد أن متطلبات الأمومة تسببت في وقوعي في أنماط مماثلة رأيتها في مرضاي! فعلى مدار 15 عاماً من العمل وتربية 3 أطفال، عايشت كل عاطفة وشعور تشعره الأمهات: الإرهاق، والشعور بالذنب، والقلق، والخوف، والسعادة، والتوتر، وبالطبع الحب الذي لا مثيل له.


قراري بترك العمل..

كنت أجتهد لكي لا أقصر في عملي وبيتي وأطفالي، وكان جميع من حولي ينظرون إلي كأم مثالية تهتم ببيتا وأطفالها و عملها، بينما كنت أشعر في داخلي بالذنب تجاه أطفالي، ولم أكن أُقدّر بعد كل ما كنت أقوم به لأجلهم! و أشعر دائماً أن علي تقديم المزيد! حتى جاء قراري النهائي بترك العمل في المستشفى بعد 7 سنوات، لأنني لم أتخيل أن يعود ابني من المدرسة و لا يجدني في البيت لأستقبله!

تمت الاستقالة بعد رفض من المسؤولين في العمل لكنني أصررت عليها !كنت أظن أن بقائي في المنزل سيمنحني المزيد من الوقت لأعتني بنفسي وبطفليّ الصغيرين، لكن ما لبث أن نوّر حياتنا طفلي الثالث، وكما تعلم معظم الأمهات فإن الأمومة لا تأتي مع دليل الاستخدام، وحتى لو قرأتِ عشرات الكتب في التربية ستجدين أنها بطريقة ما لا تنطبق على حالتك الخاصة!
لذلك نتعلم من خلال تجاربنا، ولحظاتنا المؤلمة والمبهجة، وهذا ما يجعل الأمومة مذهلة للغاية.

امرأة منقبة تتصور سيلفي في مكان آثار 36omoms

مشاعري بعد أن تفرغت لرعاية أطفالي..

بعد ولادة طفلي الثالث، مررت بمشاعر مختلطة، إحساس بعدم الإنتاجية بعد تركي للعمل، وإحساس بالذنب لأني ورغم وجودي في البيت لم أتمكن من تحقيق جميع الخطط والأفكار والنشاطات المتعلقة بي وبأطفالي! كانت مرحلة ضياع حقيقي!

لقد كنت الأم التي تغرق يومياً بكثرة المهام، وتحاول أن تكون أماً خارقة أو سوبر ماما غير واقعية، مع ذلك وفي نهاية اليوم أشعر بالإحباط لعدم إنجازي أي شيء.

لكنني  لم استسلم!كنت أحاول بشتى الطرق كالغريق الذي يتعلق بقشة، اشتركت بعدة دورات تدريبية وقرأت بعض الكتب لكنني مازلت أشعر أن هناك شيئاً ينقصني!

اكتشفت لاحقاً أن ذلك بسبب ما يسمونه الإحساس بذنب عدم الانتاجية Productivity guilt، وهو ذلك الشعور المزعج والمقلق بسبب الرغبة المستمرة  في تحقيق المزيد أو رؤية نتائج أفضل.كنت أؤمن بأنني أحمل رسالة يجب أن أوصلها وكنت أظن أن ذلك لن يتحقق إلا بعودتي إلى العمل لكن كيف سأفعل ذلك مع أطفالي؟


بين العمل والبقاء في المنزل..

قررت أن أكمل درجة الماجستير الذي بدأته قبل حملي ثم توقفت، عدت وأكملته بتشجيع من زوجي -حفظه الله- رغم كل المصاعب التي واجهتني في تلك الفترة .

لكنني وفي نفس الوقت كنت مشتتة وأشعر بالضياع مجدداً وكأنني في دوامة كبيرة.. أعود إلى العمل و أكمل طموحي وشغفي أم أبقى في البيت مع الأولاد دون أن أشعر بأي إنجاز!

كنا نظن أنني باتجاهي إلى المجال الأكاديمي سيكون ضغط و ساعات العمل أقل، وبالفعل بفضل الله عدت للعمل كمُحاضرة في الجامعة (بعدما أصبح عمر الصغير سنتين واستقرت أموري تقريباً)، كان شعوراً لا يوصف فقد أحببت عملي كثيراً.

امرأة تستلم شهادة الماجستير  360moms

لكنني عدت مرة أخرى لداوامة الشعور بالذنب! فالتدريس يتطلب مهاماً أخرى في المنزل كالتحضير والتصحيح ..إلخ، فأصبحت مشغولة طوال اليوم بمهام العمل.

حتى لجأت لاختصاصية ساعدتني في تجاوز كل هذه المشاعر، لكي أعرف نفسي أكثر وأتقبل مشاعري بشكل أفضل وأعرف متى أحتاج للراحة فلا ألوم نفسي وأعطيها حقها، ولو أنني كنت بنفس الوعي الذي وصلت إليه الآن كنت قلت لنفسي قبل خمس سنوات:
استمتعي بالمرحلة وركزي على إنجازاتك الصغيرة، و تمهلي قليلاً لكن لا تنسي هدفك واسعي إليه كل يوم، خطوة صغيرة كل يوم ستوصلك مهما طال مشوارك.

سار الوضع على ما يرام الى أن حصلت ظروف اضطرتني الى ترك العمل في عام ٢٠١٨، لكن هذه المرة قررت ألا أعود!


بحثي عن شغفي..

تعلمت تزيين الكيك و فن الديكوباج كهواية ثم فتحت حساباً على الإنستغرام لعرض أعمالي ولكن لم أشعر ان هذا ما أريد أن أُعرف به فتوقفت! استمررت بالتعلم ولم أكن أفكر بالعودة للوظيفة أبداً، حتى جاء ذلك اليوم في بداية ٢٠٢٠، حيث كنت في موعد في المستشفى، و التقيت صدفةً بزميلة سابقة لي تعمل هناك، وطبعاً جاء السؤال المتوقع: ماذا تفعلين الآن؟
قلت لها مع ابتسامة: ربّة منزل.

طفلة تحمل قالب كيك في حفلة عيد ميلاد 360moms

قاطعتني بعينين مفتوحتين: لاااا هناء، اشتغلت معك وبعرف شغلك، خسارة ماترجعي !

فعليًا أنا لم أنسى شغفي وإنما أجلته إلى أن يشاء الله وكيفما يشاء ..
وطوال فترة بقائي في المنزل بعد ترك العمل كنت حريصة على تطوير نفسي في تخصصي الذي أحبه .فكنت أقرأ فيه وأحرص على حضور ما تيسر لي من المؤتمرات والمحاضرات، وكنت أظنني راضية عن حياتي والحمد لله..

المهم ..عدت إلى بيتي ذاك اليوم و أنا أفكر بكلامها..

الإنسان بطبيعته يتأثر بما حوله من محيط بيئي ونفسي واجتماعي و ينعكس هذا التأثير على أفكاره وحالته النفسية..
ومهما تظاهرنا بالقوة فإن كلمات الآخرين قد تؤثر فينا خصوصاً إذا لامست جزءاً من أرواحنا وأفكارنا، وفعلاً كان لدي ومازال رسالة لابد أن أوصلها .. لكن كيف؟

أبنائي كبروا و أستطيع الرجوع إلى العمل الآن! فبدأت رحلة البحث عن وظيفة مجدداً لكن في نفس الوقت قلبي ما زال لا يطاوعني لأن أترك بيتي وأطفالي، فهم أولويتي ، لكنهم جميعاً شجعوني لأتابع شغفي وما أحب القيام به في هذه الحياة.

 

وأخيراً.. وصلت إلى التناغم الذي أريد..

ومع بداية هذه الرحلة حصل ما لم يكن في الحسبان.. فقد جاءنا كوفيد-19 واقتحم حياتنا!

خلال أيام حظر التجول في أزمة كورونا تفكرت كثيراً في حياتي، وتغيرت لدي الكثير من المفاهيم، ماذا لو استطعت أن أوصل رسالتي وأنا في البيت؟ دعوت الله أن يهيء لي من أمري رَشَدا. لاحظت خلال فترة الحظر أن نسبة التكيف عندي عالية بحمد الله مما أثر إيجابياً على أسرتي بشكل عام، أعتقد أن السعادة لا تكمن في الحصول على ما نريد، بل في الاستمتاع بما نملك..

شعرت أن لدي ما يمكنني تقديمه للأمهات، ومن هنا جاءت فكرة حسابي (ماماتشينو)، وقد اخترت أن يكون موجهاً للأمهات لإيماني العميق بأن الأم إذا صلحت؛ صلحت كل الأسرة.

كان الهدف الأساسي من الحساب تحسين جودة حياة الأمهات عن طريق توجيههن للاعتناء بأنفسهن وصحتهن النفسية، ومن خلال الجمع بين شغفي في العلاج الوظيفي ورحلتي مع الأمومة و تجاربي مع المختصين، قررت التخصص في الكوتشينج لأتمكن من التواصل باحترافية مع الأمهات الأخريات اللواتي يتحملن إرهاق الأمومة ولكنهن يرغبن في واقع مختلف.

بدأت بصناعة المحتوى وتقديم الخدمات في ماماتشينو منذ عامين تقريباً، وخلال هذه الرحلة بحثت كثيراً عن طرق لتنظيم وقتي بحيث أستطيع التوفيق بين طموحي وبين بيتي، دون أن أهمل نفسي أو أشعر بالذنب تجاه أولادي.

لكنني وجدت المعظم يتحدثون عن تنظيم الوقت بشكل عام أو تنظيمه للأم العاملة. ولأني كنت موظفة سابقاً وجدت أن التحديات التي تواجه الأم صاحبة المشروع المنزلي (الأم رائدة الأعمال) مختلفة كثيراً عن العاملة خارج المنزل، فعندما تعملين من المنزل تجدين من حولك نادراً ما يعتبرونه عملاً لذلك هم يفترضون إنك متاحة طوال الوقت !فضلا عن المسؤوليات الأخرى التي لا أحد يفكر بمساعدتك بها لأنك في البيت ولا بد أنك تملكين الوقت! بالإضافة إلى المشتتات التي حولك وغيرها الكثير من التحديات ..

أطفال يلعبون الليجو معا

برغم أنني ما زلت أتعامل مع نفسي (غير الكاملة) و أطفالي (غير المثاليين)  ، لكن يمكنني القول أنني استطعت بفضل الله أن أسيطر على حياتي بشكل أفضل، و وصلت لطريقة أستطيع فيها ان أُدير بيتي وعملي و أهتم بنفسي وعلاقاتي والحمد لله. لذلك شعرت أنه من واجبي أن أوصل الاستراتيجيات التي تعلمتها وطبقتها لكل أم تسعى لذلك التناغم والانسجام بين أدوارها الكثيرة. ومن هنا اتجهت لمساعدة الأمهات الرياديات على تولي دورهن كـ (مديرة تنفيذية) لتحقيق الازدهار الحقيقي والنجاح في تحقيق أهدافهن وأحلامهن.

لقد مررت بلحظات عديدة من التعلم والمواقف الصعبة، لذلك أعمل على إرشاد الأمهات ليتعلمن من أخطائي دون أن يجربنها كلها! على الرغم من أنني لا أعرف كل شيء بالتأكيد، إلا أنني أحب نقل ما أعرفه.  كما أنني أتطلع لتأسيس مجتمع داعم للأمهات الرياديات العربيات.

وفي الختام، أرجو أن تكون قصتي ملهمة للأمهات اللاتي يمررن بنفس وضعي، يجمعنا الطموح وفي نفس الوقت مشاعر الأمومة والشعور بالذنب أحيانا، و تذكري عزيزتي الأم دائما أن الله -عز وجل- خلقنا مختلفين، ظروفنا مختلفة، إمكانياتنا و قدراتنا، لكن الذكي فينا حقًا هو من يعرفها ويعرف كيف يستثمرها..

وإذا كانت رؤيتك واضحة وتعرفين هدفك بالضبط، ستتجلى هذه الرؤية تلقائياً في أفعالك وأقوالك فتُجبر كل من حولكِ على احترامك واحترام رغبتك وستكونين قادرة حتى لو بعد حين على أن تصلي لما سعيت إليه ..

فقط " استعن بالله ولا تعجز" و "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم"

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية