قصص أمهات

ما حدث معنا قد ينقذ حياة طفل في يوم ما...

ما حدث معنا قد ينقذ حياة طفل في يوم ما...
النشر : مايو 31 , 2018
آخر تحديث : سبتمبر 18 , 2023
لينا عرّابي، مديرة محتوى موقع أمهات360، متزوجة وأم لطفل عمره 6 سنوات. لينا حاصلة على درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية عام 2010... المزيد

قصة ميسم أم لطفلين، هاشم وزين

ليس من السهل عليَّ أن أسرد قصتنا ولكني متأكدة من أنها ستفيد الكثيرين. كان يوماً عادياً يوم علمت بما يشكو به ابني البكر أو بالأحرى علمت بأنه ليس على ما يرام. لن تصدقوا إن قلت لكم أنه طفل عادي بكامل حيويته ونشاطه وهو طفل سعيد ولا يبدو عليه المرض أبداً. ليس لأنه فتى قوي فقط بل لأن ما أصابه مرض نادر ومن الصعب تشخيصه إن لم يتم الكشف عنه من قبل أخصائيين محترفين.

بدء رحلة التشخيص

بدأ "ماراثون" البحث والتشخيص والعلاج منذ أن بلغ هاشم السنتين وشهرين من عمره، حيث بدأنا نلاحظ ظهور كدمات على ساقيه وطفح جلدي على جسده كبقع حمراء تشبه البقع التي تظهر بسبب الحساسية من الفراولة، ولكن بما أن طفلنا كان نشيطاً ولا يعاني من التعب أعزنا هذه الكدمات إلى اللعب والركض والوقوع فهو طفل صغير، وكان أيضاً قد تناول الفراولة في تلك الأيام فتغاضينا عن النظر بموضوعها آنذاك. من الأعراض الأخرى التي لم أعلم أنها مهمة وهي أن أجد دماً متجلطاً في فتحات أنفه كنت اعتقد أنها بسبب الحرارة الشديدة لصيف دول الخليج حيث نقيم!

ولكن وبما أن زوجي يعمل كممرض اقترح عليّ أن نأخذ هاشم إلى المستشفى لنقوم بالكشف عنه والتأكد من أنه بخير، كانت أخته زين بعمر الشهر والنصف فبالطبع أخذتها معنا. دخلنا إلى المستشفى وبدأت الفحوصات والأسئلة وإذ بالطاقم الطبي يخبرنا بأن علينا إدخاله لأن تعداد الخلايا الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية أقل من معدلها الطبيعي! فوجئت لقولهم هذا...كيف؟ وقد كنا قبل نصف ساعة في مطعم نتناول وجبة إفطار رمضان، نركض ونلعب... هاشم بخير لا يعاني من شيء!

وبالفعل، وُضعنا أنا وابني وابنتي في غرفة عزل لوحدنا، لم أفهم سبب العزل وعندما سألت الطبيبة المسؤولة أخبرتني بأنه قد يكون مصاباً بفيروس قوي لذا عليهم أخذ الحيطة من العدوى وإبعاده أيضاً عن أية مسببات قد تزيد شدة المرض وبما أن تعداد الصفائح قليل منعته من الحركة الزائدة حتى لا ينزف...

الخبر المفاجئ

ما لم أكن أعلمه أنهم كانوا قد أخبروا زوجي؛ إن لم يكن هاشم مصاباً بفيروس قوي فقد يتم تشخيصه باللوكيميا! وهذا ما حصل... أخبرنا أحد الأطباء: "بما أن حالة ابنكما لم تتحسن فهذا يعني أنه مصاب باللوكيميا!" أخبرنا هذا وبدا متأكداً لدرجة كبيرة. طلب منا الموافقة على أخذ خزعة من نخاع العظم لتأكيد التشخيص أو نفيه. لم أصدق ما قال مع أنه كسر قلبي فبقدر قلة ثقافتي بالطب وعلم الإنسان إلا أنني أعرف أن المصابين باللوكيميا يعانون من تعب شديد وحرارة عالية وهذا عكس حال هاشم بالضبط أنا أمه وأنا أكثر دراية بحالته!

يوم أخذ الخزعة كان من أصعب وأبشع اللحظات في حياتي، حملت طفلي ووضعته على سرير العمليات راقبته وهو ينام بسبب التخدير، قتلتني تلك اللحظة لم أستطع السيطرة على مشاعري... كانت لحظة مؤلمة! دعوت ربي أن تكون النتيجة سلبية وهذا ما حصل. لم يكن ابننا مصاب باللوكيميا ولكنه مصاب بشيء آخر...

لم يعلم الأطباء ما عليهم فعله وقاموا بتحويلنا إلى مستشفى آخر يحتوي على قسم لأمراض الدم لعلهم يستطيعون تشخيصه. حاول الأطباء ما بوسعهم وفي غضون ذلك الوقت كان على هاشم أن يأخذ وحدات دم وصفائح بشكل يومي حتى يتمكن من محاربة ما يهاجم صفائحه وخلايا الدم خاصته!

تم إخراجنا من المستشفى على أن نعود كل يوم للاستمرار بإعطائه وحدات دم وصفائح لتعويض النقص الحاد في دمه.. هاشم بطل لم تؤثر هذه الحقن أو الزيارات عليه، كنا نهون الأمر أنا وأبوه فنحن من المؤمنين أن قوة أطفالنا من قوتنا.

اشتُرط علينا ألا نخرج إلى أماكن مزدحمة أو استقبال أي أحد وتجنب الوقوع أو التعثر حتى لا ينزف. وكانت من التحذيرات المهمة أنه إن أصيب بحمى علينا التوجه مباشرة إلى المستشفى وهذا ما حدث، ارتفعت درجة حرارته وكان علينا العودة مجدداً.

اضطررت لترك ابنتي عند أحد أصدقائنا، كانت الدنيا ليلاً وعلمت أن الأمر سيطول، فتوكلت على الله علماً بأننا تركناها مع أيدٍ أمينة. وصلنا إلى المستشفى وبدأت الفحوصات وإعطاء جرعات المضادات الحيوية ولم تنخفض الحرارة أبداً.

بقينا هكذا لمدة أسبوعين، تخيلوا مدى شعوري بالألم والتعب والحيرة... تخيلوا معاناتي كأم ترى ابنها يأخذ الحقن وعلى سرير مريض وابنتها بعيدة ليس بوسعها أن تعطيها ما تحتاج بالوقت الذي تحتاجه. ولكني أحمد ربي لوجود نظام دعم في غربتي لولا مساعدة الكثيرين لما استطعت أن أشد من عزمي لمواجهة هذه الظروف.

التشخيص الحقيقي

قررت أن أبقى قوية ومع وجود زوجي بجانبي شعرت بقوة أكبر وقررنا القراءة والبحث أكثر عن الأعراض التي يعاني منها هاشم، اخبرني زوجي أن أعراضه تتطابق مع مرض يسمى فقر الدم اللاتنسجي (Aplastic Anemia)* لم أفهمه كثيراً فبدأت بسؤال من حولي عنه حتى أخبرتني واحدة من الأطباء المقيمين أن الأعراض تشمل التعب والوهن، الحرارة وتحول لون الشعر إلى لون باهت نحاسي وتابعت بقولها أن هنالك طفل في المستشفى تم تشخيصه بذات المرض وشجعتني على زيارته. إلا أنني لم أقم بذلك، اعترف بأنني كنت في حالة نكران وخاصة بعد أن قام الطبيب بتخويفنا من هذا المرض.

الصدفة التي أشكر الله عليها الآن أننا تقابلنا مع هذا الطفل في الردهة وأنا أجر هاشم في عربته للترفيه عنه... صدمت عندما لاحظت لون شعره، كان باهت اللون تماماً كشعر هاشم!!! من هنا تأكدت أن علينا اتخاذ الإجراء المناسب والأمثل لطفلنا حتى لو كان مستحيلاً.

وأخيراً... رحلتنا مع العلاج

قررت أنا وزوجي أن نعود إلى بلدنا بين أهلنا حيث نعلم أن الطب الممتاز فقد تعبنا من الشكوك والتشخيصات الخاطئة وأصبح لدينا صورة شبه كاملة عما يعاني منه ابننا ونريد حلاً جذرياً. تواصلنا مع مركز متخصص بأمراض الدم وكانوا أكثر من متعاونين وأول ما انخفضت حرارة هاشم كنا جاهزين للسفر.

وصلنا إلى الأردن وتم استقبالنا في المطار مع فريق طبي توجه بنا إلى المستشفى - كانت قد أخبرتنا الطبيبة أنه إن أُثبتت إصابة هاشم ب أبلاستيك أنيميا فعلاجها هو زراعة لنخاع العظم وعلينا أن نجد مطابقاً له في أسرع وقت - وصلنا إلى غرف المرضى وبدأت الفحوصات أولاً لابننا ثم لي وزوجي وابنتي للبحث عن متبرع مطابق.

تم تأكيد تشخيصه بالأبلاستيك أنيميا، سعدنا بالنتيجة فقط الآن عرفنا ما يشكو به طفلنا وأن له علاج. ظهرت نتائج التطابق وإذ بنا جميعنا نطابقه ولكن بدرجات، أنا كنت الرابحة فقد طابقته بالكامل، أخذت ٦/5 أما زوجي وابنتي طابقاه بشكل نصفي أي ٣/٦. من هنا، تم تقرير موعد الزراعة وخطة العلاج كانت خطة طويلة تخللها العلاج الكيميائي** بجرعات خفيفة وقوية ولا أخفيكم تبعاته ولكننا صمدنا وكان هاشم بطلاً بمعنى الكلمة كأنه على علم بأن هناك نهاية لهذه المتاهة.

تم إدخالي إلى غرفة العمليات وسحب ما يحتاجون من خلايا جذعية لابني. وبعد ساعة ونصف كان بوسعه أن يبدأ الزراعة. لمن لا يعرف زراعة النخاع هي عبارة عن نقل وحدة أو كيس من الدم الذي يحتوي على الخلايا التي أخذت مني... بسيطة صحيح؟ لم أفهم حتى الآن لم تمت إخافتنا من هذه الحالة!

كيس الدم الفعلي لزراعة نخاع العظم لابني

الحمد لله نجحت الزراعة كما كان متوقعاً، لا زلنا مستمرين في رحلة العلاج وصحة هاشم في تحسن.

قصتي طويلة فيها تفاصيل كثيرة، لم أذكر حتى رُبعها... هدفي هو اطلاعكم على ما حدث معنا فقد ينقذ حياة طفل في يوم ما. وأود أن انتهز الفرصة لأقف مساندة لكل أم تمر أو مرَّت بظروف صعبة قائلة: "استمري في استمداد قوتك من إيمانك بالله وتيقني أنه يريد الأفضل لك ولعائلتك ولا تسمحي لأي أحد أن يثير الشك في حدسك كأم، ولا تستمعي لكلام لا قناعة لك فيه بل ثقفي نفسك دائماً حتى تبقي في النور لتتمكني من أخذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب".


*فقر الدم اللاتنسجي: مرض فقْرُ الدمِّ اللاتنسُّجي مرض ينتج من فشل نخاع العظم في انتاج خلايا الدم، مما يؤدي الى فقر في جميع انواع خلايا الدم .يحدث فقر الدم اللاتنسجي بشكل مفاجيء أو تدريجي ويزداد حدته بمرور الوقت.

** الهدف من العلاج الكيميائي وغيره هو مسح ما تبقى من نخاع العظم لديه حتى يستقبل الخلايا الجذعية لنخاعي الشوكي بلا أعراض جانبية قوية أو ردود فعل بيولوجية غير مرغوبة.

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية