العلاقات

مذكرات آدم: هيا نلعب!

مذكرات آدم: هيا نلعب!
النشر : فبراير 21 , 2019
آخر تحديث : مايو 19 , 2021
منذ طفولتي بهرتني عوالم القراءة التي أغرتني بالكتابة، احترفت هذه الصنعة بشغف منذ ١٩٩٣ عبر بوابة الصحافة الورقية، ومنها إلى الكتابة والتأليف... المزيد

قبل أن أرزق بأطفال، أذكر أن زوجتي كانت تطلب مني أن أشاركها بعض الألعاب والمسابقات الخفيفة التي كنا نلعبها في أيام الطفولة والصبا، كنت أترفّع عما كنت أظنه طفولة متأخرة متذرعًا بكثرة مشاغلي وتوزع وقتي بين العمل ومتابعة الدراسة، وصلوات الجماعة والعمل الخيري، وكنت أقرن رفضي أحيانًا بنصيحة لها على ملء وقتها بالإقبال على طلب العلم النافع والتطوع في مشاريع مفيدة.

لم تعد تطلب مني أن أشاركها اللعب، لكنها حافظت على روحها المرحة ونزوعها لتلك الهوايات التي كانت تمارسها مع أطفال في عائلتينا، بالطبع لم أكن أنكر عليها ذلك بل كنت مسرورًا أنها تجد ما تسلّي به نفسها في وقت الفراغ الذي كانت تعاني منه بسبب تأخر إنجابنا للأطفال، فقد كانت نفسها ظمأى لطفل تحضنه.

رأيتها ذات مرة تضحك من قلبها وهي تتحلق مع أطفال حول مائدة لعبة، وكان ذلك سابقًا لزمان الأجهزة الخلوية واللوحية التي اغتالت طفولة هذا الجيل، وحرمتهم لذة التواصل والتشارك الحقيقي مع الأصدقاء. 

وعندما رأيت السعادة تغمر ذلك الجمع شعرت أني حرمت زوجتي ونفسي تشارك اللعب الذي يضيف مساحاتٍ من الفرح بين الزوجين، ويعطي بُعدًا من الصداقة المحببة في العلاقة الزوجية، وقتها حزنت أني أثقلت عليها بجديتي الرتيبة.

استغرق الأمر سنوات لأكتشف أني جانبت الصواب في فعلي ذاك، وفقهت متأخرًا دلالة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو أعظم الناس جدية وانشغالًا بعمل الخير كان يجد وقتا للعب مع زوجاته، فرغم انشغاله بتلقي وحي السماء ودعوة الناس إليه وتربية الناس وتعليمهم والحكم والقضاء بينهم في النهار، وإقباله على الصلاة في الليل. 

ومع ذلك كله كان يجد وقتًا للعب مع زوجاته والترفيه عنهن، وقد أتحفتنا سيرته مع زوجاته بهذا التجلي الإنساني الرائع لسيد الأولين والآخرين، وأفضل الأزواج دون منازع؛ ذات مرة سابق السيدة عائشة- رضي الله عنها- في رياضة الجري، فسبق عائشة، وفي مرة تالية سبقته، فراحت تزهو عليه بفوزها، فقال: "هذه بتلك" يعنى: "واحدة بواحدة".

لقد قرأت هذا الحديث وغيره في باب مؤانسة النبي لنسائه عدَّة مرات، لكني لم أتبصَّر بأن ذلك السلوك النبوي يجب أن ينعكس علينا نحن الرجال؛ فنحرص على مؤانسة زوجاتنا والترفيه عنهن في إطار ما أحله الله وأباحه لعباده.

ولما ثُبت إلى رشدي، لم يسعفني الوقت؛ فقد رزقنا الله بالأطفال، الذين شغلوا وقتينا معًا فلم تعد زوجتي وسط أعباء البيت والأطفال تجد وقتًا للعب، لكننا حافظنا على علاقة أخرى بيننا غير العلاقة الزوجية، بل هي السبب في إنعاشها وإبقائها غضَّة؛ إنها الصداقة التي كنا نقضي أوقاتًا جميلة في ظلها، لا سيّما أثناء ممارسة رياضة المشي أو أثناء ارتياد المطاعم والأسواق.

إن تشارك الألعاب بين الزوجين ليس أكثر من جسر موصل إلى نشوء صداقة تنعش العلاقة الزوجية التي ينتابها الفتور وتعتريها آفة الأعمال الروتينية اليومية، ونصيحتي لكل زوجين ناضجين: اجعلا وقتًا للعب، ومارسا ثرثرة الأصدقاء الحرّة.

إن من الأمور التي أشعر بالأسف حيالها أن أرى زوجين يجلسان متقاربين على ذات المقعد في وسيلة مواصلات أو في مطعم أو مقهى لكنهما متباعدين أشد البعد، كيف لا؟ وكلٌّ منهما يحدّق في جوَّاله! إما ليسجل إعجاباً بمنشورٍ لنجمه المفضل، أو ليقرأ طُرفة وصلته على أحد برامج التواصل، أو ليمرّر نصيحة معلَّبة للأصدقاء تقول:

Disconnect to connect your life partner: Stop letting mobile run your life
افصل الإنترنت لتتصل بشريك حياتك، لا تدع الهاتف يُسيّر حياتك!

 

مواضيع قد تهمك

الأكثر شعبية